أدخل كلمة للبحث






Div By Tools4b


السبت، 16 ديسمبر 2017

نص الشبهة:

قال الشيعي:

أجمع المسلمون في كل مكان وزمان على استحباب زيارة قبر النبي إلا ابن تيمية هوالذي شذ وقال لا يُستحب زيارة قبر النبي

والذهبي قد رد على ابن تيمية فقال: (فَمَنْ وَقَفَ عِنْدَ الحُجْرَةِ المُقَدَّسَةِ ذَلِيْلاً، مُسْلِماً، مُصَلِيّاً عَلَى نَبِيِّهِ، فَيَا طُوْبَى لَهُ، فَقَدْ أَحْسَنَ الزِّيَارَةَ، وَأَجْمَلَ فِي التَّذَلُّلِ وَالحُبِّ، وَقَدْ أَتَى بِعِبَادَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ، أَوْ فِي صَلاَتِهِ، إِذِ الزَّائِرُ لَهُ أَجْرُ الزِّيَارَةِ، وَأَجْرُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالمُصَلِّي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ لَهُ أَجْرُ الصَّلاَةِ فَقَطْ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً، وَلَكِنْ مَنْ زَارَهُ r وَأَسَاءَ أَدَبَ الزِّيَارَةِ، أَوْ سَجَدَ لِلْقَبْرِ، أَوْ فَعَلَ مَا لاَ يُشْرَعُ، فَهَذَا فَعَلَ حَسَناً وَسَيِّئاً، فَيُعَلَّمُ بِرفْقٍ، وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ.
فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ، وَالصِّيَاحُ وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ، وَكَثْرَةِ البُكَاءِ، إِلاَّ وَهُوَ مُحِبٌّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَحُبُّهُ المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مِنْ أَفَضْلِ القُرَبِ، وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُوْنٍ فِيْهِ لِعُمُوْمِ قَوْلِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ).
فَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى نَبِيِّنَا r مُسْتَلْزِمٌ لِشَدِّ الرَّحْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوْعٌ بِلاَ نِزَاعٍ، إِذْ لاَ وُصُوْلَ إِلَى حُجْرَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، ثُمَّ بِتَحِيَّةِ صَاحِبِ المَسْجِدِ - رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ آمِيْنَ).

نص الجواب:

قال أبوبكر المغربي:

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فهو كغيره يستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمن زار المدينة وصلى في مسجد النبي وهذا كلامه رحمه الله في رسالته "قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق":

(والعلماء المصنّفون في المناسك يذكرون السفر إلى مسجده، والصلاة فيه، ويذكرون مع ذلك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم (والسلام عليه)، على الوجه المشروع، ومنهم من يقول أشياء باجتهاده، أو لما ظنّه صحيحًا من الأحاديث، والحكايات، وإن كان ذلك لا أصل له، لكن جميع العلماء متفقون على أنه يستحب لمن أتى المدينة أن يصلي في مسجده، ويسلّم عليه).
فهذا ما يقوله شيخ الإسلام وجميع أهل السنة، إلا أنه لا يجوز أن يكون ابتداء شد الرحال قصد زيارة قبره أو أي شيء آخر لأنه لا يجوز شد الرحال من أجل عبادة إلا الصلاة في مسجدَي الحرام والمسجدِ الأقصى فهذا جائز وشد الرحال من أجل عبادة غير هذه في أماكن غير هذه لا يجوز، ومنهي عنه، أما من أجل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف بين أهل العلم أهو مباح أو منهي عنه ولم يقل أحد من المتقدمين إنه مستحب وإنما منهم من يعده من المباحات ويستثنيه من عموم النهي عن شد الرحال دون غيره ومنهم من لا يستثنيه،
وهذا إن كان ابتداء شد الرحال كما قلنا من أجل ذلك.

قال شيخ الإسلام في كتابه "الإخنائية" الذي يرد فيه على الأخنائي قاضي المالكية:

(ولكن أطلق كثير منهم القول باستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك. وهذا مما لم يذكر فيه المجيب نزاعا في الجواب، فإنه من المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يستحبّ السّفر إليه بالنص والإجماع، فالمسافر إلى قبره لا بدّ إن كان عالما بالشريعة أن يقصد السفر إلى مسجده، ولا يدخل ذلك في جواب المسألة، فإن الجواب إنما كان عمّن سافر لمجرد زيارة قبورهم، والعالم بالشريعة لا يقع في هذا؛ فإنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استحب السفر إلى مسجده والصلاة فيه، وهو يسافر إلى مسجده، فكيف لا يقصد السفر إليه؟
وكل من علم ما يفعله باختياره فلا بدّ أن يقصده. وإنما ينتفي القصد مع الجهل؛ إما مع الجهل بأن السفر إلى مسجده مستحبّ لكونه مسجده، لا لأجل القبر، وإما مع الجهل بأن المسافر إنما يصل إلى مسجده. فأما مع العلم بالأمرين فلا بدّ أن يقصد السفر إلى مسجده، ولهذا كان لزيارة قبره حكم ليس لسائر القبور، من وجوه متعددة كما قد بسط في مواضع.). انتهى

وقال في موضع آخر من الكتاب:

(كالسفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سافر السَّفرَ المشروع فسافر إلى مسجده وصلّى فيه، وصلّى عليه، وسلّم عليه، ودعا وأثنى كما يحبه الله ورسوله؛ فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين، وليس فيه نزاع) .

فنقول للشيعي: في أي كتاب منع شيخ الإسلام زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا كما زعمت؟؟
ونقول له أيضا: إن هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ذكره الأئمة الأربعة وعلى رأسهم الإمام مالك في العتبية وفقهاء المذاهب كلهم صرحوا بأنه لا يُستحب قصد السفر من أجل زيارة أي قبر وإنما اختلفوا هل فعل ذلك مباح أو منهي عنه فيما يتعلق بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تفتري وتقول لم يسبقه أحد وأن جميع المسلمين خالفوه؟؟.

أما ما نقله عن الذهبي رحمه الله فالجواب من وجوه:

أولا: كذب في قوله إنه رد على ابن تيمية فكلامه كله لا يدل على ذلك وسياق الكلام واضح والقول بأنه قصد بذلك الرد عليه دخول في النوايا ولا يُعذر الشيعي أنْ كان هناك من فهم من الذهبي هذا الإستطراد لأن الكلام واضح وعليه أن يطلع عليه لا أن يُقلِّد دون اطلاع ويكون بحثه مبنيا على الطعن المجرد المعمي للبصيرة.

ثانيا : في أي جزء من الكلام هو رد على ابن تيمية؟! وكلامه مطابق لكلام شيخ الإسلام في أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت داخلة في عموم النهي عن شد الرحال فقبر النبي صلى الله عليه وسلم مستثنى لأن الزائر سيزور المسجد، ثم انظر كيف أمر الإمام الذهبي بتحية المسجد قبل السلام إشارة على أن القصد من الزيارة هو المسجد وبهذا أيضا استدل ابن تيمية رحمه الله في رده على الأخنائي.

ثالثا : سلمنا أن الذهبي رد على ابن تيمية، وماذا في ذلك؟! ما بال الشيعة يستعظمون الرد على العالم؟! أيظن الشيعي أننا مثلهم حيث ياتي عالمهم بالكفريات والزندقة ولا تُحرَّك البنان في الرد عليه؟! إنّا إذا أخطأ العالم في جزئية فرع الفرع رددنا عليه بالأدلة، فلا الراد عندنا أفضل من المردود عليه ولا قوله ألزم عندنا، وإنما نأخذ ما وافق الدليل.

شبهة: ابن تيمية وحدة من أنكر زيارة قبر النبي

نص الشبهة:

قال الشيعي:

أجمع المسلمون في كل مكان وزمان على استحباب زيارة قبر النبي إلا ابن تيمية هوالذي شذ وقال لا يُستحب زيارة قبر النبي

والذهبي قد رد على ابن تيمية فقال: (فَمَنْ وَقَفَ عِنْدَ الحُجْرَةِ المُقَدَّسَةِ ذَلِيْلاً، مُسْلِماً، مُصَلِيّاً عَلَى نَبِيِّهِ، فَيَا طُوْبَى لَهُ، فَقَدْ أَحْسَنَ الزِّيَارَةَ، وَأَجْمَلَ فِي التَّذَلُّلِ وَالحُبِّ، وَقَدْ أَتَى بِعِبَادَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ، أَوْ فِي صَلاَتِهِ، إِذِ الزَّائِرُ لَهُ أَجْرُ الزِّيَارَةِ، وَأَجْرُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالمُصَلِّي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ لَهُ أَجْرُ الصَّلاَةِ فَقَطْ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً، وَلَكِنْ مَنْ زَارَهُ r وَأَسَاءَ أَدَبَ الزِّيَارَةِ، أَوْ سَجَدَ لِلْقَبْرِ، أَوْ فَعَلَ مَا لاَ يُشْرَعُ، فَهَذَا فَعَلَ حَسَناً وَسَيِّئاً، فَيُعَلَّمُ بِرفْقٍ، وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ.
فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ، وَالصِّيَاحُ وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ، وَكَثْرَةِ البُكَاءِ، إِلاَّ وَهُوَ مُحِبٌّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَحُبُّهُ المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مِنْ أَفَضْلِ القُرَبِ، وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُوْنٍ فِيْهِ لِعُمُوْمِ قَوْلِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ).
فَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى نَبِيِّنَا r مُسْتَلْزِمٌ لِشَدِّ الرَّحْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوْعٌ بِلاَ نِزَاعٍ، إِذْ لاَ وُصُوْلَ إِلَى حُجْرَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، ثُمَّ بِتَحِيَّةِ صَاحِبِ المَسْجِدِ - رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ آمِيْنَ).

نص الجواب:

قال أبوبكر المغربي:

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فهو كغيره يستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمن زار المدينة وصلى في مسجد النبي وهذا كلامه رحمه الله في رسالته "قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق":

(والعلماء المصنّفون في المناسك يذكرون السفر إلى مسجده، والصلاة فيه، ويذكرون مع ذلك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم (والسلام عليه)، على الوجه المشروع، ومنهم من يقول أشياء باجتهاده، أو لما ظنّه صحيحًا من الأحاديث، والحكايات، وإن كان ذلك لا أصل له، لكن جميع العلماء متفقون على أنه يستحب لمن أتى المدينة أن يصلي في مسجده، ويسلّم عليه).
فهذا ما يقوله شيخ الإسلام وجميع أهل السنة، إلا أنه لا يجوز أن يكون ابتداء شد الرحال قصد زيارة قبره أو أي شيء آخر لأنه لا يجوز شد الرحال من أجل عبادة إلا الصلاة في مسجدَي الحرام والمسجدِ الأقصى فهذا جائز وشد الرحال من أجل عبادة غير هذه في أماكن غير هذه لا يجوز، ومنهي عنه، أما من أجل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف بين أهل العلم أهو مباح أو منهي عنه ولم يقل أحد من المتقدمين إنه مستحب وإنما منهم من يعده من المباحات ويستثنيه من عموم النهي عن شد الرحال دون غيره ومنهم من لا يستثنيه،
وهذا إن كان ابتداء شد الرحال كما قلنا من أجل ذلك.

قال شيخ الإسلام في كتابه "الإخنائية" الذي يرد فيه على الأخنائي قاضي المالكية:

(ولكن أطلق كثير منهم القول باستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك. وهذا مما لم يذكر فيه المجيب نزاعا في الجواب، فإنه من المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يستحبّ السّفر إليه بالنص والإجماع، فالمسافر إلى قبره لا بدّ إن كان عالما بالشريعة أن يقصد السفر إلى مسجده، ولا يدخل ذلك في جواب المسألة، فإن الجواب إنما كان عمّن سافر لمجرد زيارة قبورهم، والعالم بالشريعة لا يقع في هذا؛ فإنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استحب السفر إلى مسجده والصلاة فيه، وهو يسافر إلى مسجده، فكيف لا يقصد السفر إليه؟
وكل من علم ما يفعله باختياره فلا بدّ أن يقصده. وإنما ينتفي القصد مع الجهل؛ إما مع الجهل بأن السفر إلى مسجده مستحبّ لكونه مسجده، لا لأجل القبر، وإما مع الجهل بأن المسافر إنما يصل إلى مسجده. فأما مع العلم بالأمرين فلا بدّ أن يقصد السفر إلى مسجده، ولهذا كان لزيارة قبره حكم ليس لسائر القبور، من وجوه متعددة كما قد بسط في مواضع.). انتهى

وقال في موضع آخر من الكتاب:

(كالسفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سافر السَّفرَ المشروع فسافر إلى مسجده وصلّى فيه، وصلّى عليه، وسلّم عليه، ودعا وأثنى كما يحبه الله ورسوله؛ فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين، وليس فيه نزاع) .

فنقول للشيعي: في أي كتاب منع شيخ الإسلام زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا كما زعمت؟؟
ونقول له أيضا: إن هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ذكره الأئمة الأربعة وعلى رأسهم الإمام مالك في العتبية وفقهاء المذاهب كلهم صرحوا بأنه لا يُستحب قصد السفر من أجل زيارة أي قبر وإنما اختلفوا هل فعل ذلك مباح أو منهي عنه فيما يتعلق بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تفتري وتقول لم يسبقه أحد وأن جميع المسلمين خالفوه؟؟.

أما ما نقله عن الذهبي رحمه الله فالجواب من وجوه:

أولا: كذب في قوله إنه رد على ابن تيمية فكلامه كله لا يدل على ذلك وسياق الكلام واضح والقول بأنه قصد بذلك الرد عليه دخول في النوايا ولا يُعذر الشيعي أنْ كان هناك من فهم من الذهبي هذا الإستطراد لأن الكلام واضح وعليه أن يطلع عليه لا أن يُقلِّد دون اطلاع ويكون بحثه مبنيا على الطعن المجرد المعمي للبصيرة.

ثانيا : في أي جزء من الكلام هو رد على ابن تيمية؟! وكلامه مطابق لكلام شيخ الإسلام في أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت داخلة في عموم النهي عن شد الرحال فقبر النبي صلى الله عليه وسلم مستثنى لأن الزائر سيزور المسجد، ثم انظر كيف أمر الإمام الذهبي بتحية المسجد قبل السلام إشارة على أن القصد من الزيارة هو المسجد وبهذا أيضا استدل ابن تيمية رحمه الله في رده على الأخنائي.

ثالثا : سلمنا أن الذهبي رد على ابن تيمية، وماذا في ذلك؟! ما بال الشيعة يستعظمون الرد على العالم؟! أيظن الشيعي أننا مثلهم حيث ياتي عالمهم بالكفريات والزندقة ولا تُحرَّك البنان في الرد عليه؟! إنّا إذا أخطأ العالم في جزئية فرع الفرع رددنا عليه بالأدلة، فلا الراد عندنا أفضل من المردود عليه ولا قوله ألزم عندنا، وإنما نأخذ ما وافق الدليل.

نشر في : ديسمبر 16, 2017 |  من طرف alkachif

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

أنكر شيعي مقلد للمعتزلة أن يُرى الله يوم القيامة وأنكر على المسلمين القائلين بعكسه

قلت:

أما الأدلة على أن الله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون يوم القيامة فهي كالتالي بالإختصار:

أولا: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فالله عز وجل أضاف النظر في الآية الكريمة إلى الوجه، الذي هو محله، وتعدى فعل نظر بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته، فالآية بهذا موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله. فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه؛ فإن عدي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار: {انظرونا نقتبس من نوركم}. وإن عدي بـ"في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض}، وإن عدي بـ"إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟.
فإذا لم يرد مسيلمة كوران إلا تحريفها عن معناها البين والواضح ويُسمِّي ذلك تأويلاً، فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها، وتأويل كلِّ نص تضمَّنه القرآن والسنة كذلك. ولا يشاء مبطلٌ على وجه الأرض أن يؤوِّلَ النصوص، ويحرِّفَها عن مواضعها، إلاَّ وجد إلى ذلك مِنَ السبيل ما وجده متأوِّل مثل هذه النصوص.

ثانيا: الدليل العقلي الموافق لهذه الآية: وهو أن كل موجود جائز أن يُرى وتتعلق الرؤية به وإنما الرؤية لا تتعلق بالمعدوم سواء كان يستحيل وجوده أو ممكن وجوده فطالما أنه في حيز العدم لا يُرى، فالله سبحانه وتعالى موجود لا معدوم فجائز أن يُرى وهذا بالإستقراء التام إذ لا تكاد تجد موجودا إلا وهناك من رآه، وهذا الإلزام بإلزامهم فهم يقولون لا نعلم ممن له يدا أو ساقا إلا الأجسام، فنقول ولا نعلم ممن لا يُرى إلا العدم.

ثالثا: (فمن كان يرجو لقاء ربه) وغيرها من الآيات التي فيها أن الله تعالى يلقى عباده فقد أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والنظر.

رابعا: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليلا على أن أولياءه يرونه في الرضى. ولو كان الكفار كلهم لا يرونه والمؤمنون كلهم لا يرونه لكانوا كلهم عنه محجوبون فلم يكن لذكر ذلك مقيدا بالكفار أي فائدة بل يكون والعياذ بالله لغوا.

خامسا: أن الله سبحانه وتعالى قال لمحجوبون فالحجاب حاجب للعباد لا لله سبحانه كما نبهت عليه هذه الآية الكريمة فانه بين فيها انهم هم المحجوبون لا هو فدل أنه سبحانه وتعالى غير محجوب وكل ما كان غير محجوب فإنه مرئي وبهذا فجميع المومنين يرونه سبحانه وتعالى وحُجِب الكفار عن رؤيته، 
وأعد التدقيق في الآية وكيف قال سبحانه وتعالى "إنهم عنه" ولم يقل "إنه عنهم" ففيها سر لطيف لمن فتح الله بصره وبصيرته.

سادسا:  قوله تعالى: (على الأرائك ينظرون)، ووجه الإستدلال أنه قد حُذف المنظور إليه والقاعدة البلاغية أن حذف المعمول يفيد الشمول فقوله عز وجل ينظرون أي إلى كل نعيم وما يشتهون ومن ذلك النظر إلى وجه الله الكريم والمستثني شيئا من هذا العموم وجب عليه الإستدلال على هذا الإستثناء بنص قطعي ولا وجود له، 
والله سبحانه وتعالى يقول تعرف في وجوههم نضرة النعيم وهذه النضرة تكون بسبب النظر إلى وجهه الكريم كما قال في الآية السابقة: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)

سابعا: قوله تعالى: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد)، ووجه الإستدلال زيادة على تفسير علي ابن أبي طالب لها أن الله عز وجل أثبت لأهل الجنة نعيمين ليسا من جنس واحد، فأحد النعيمين راجع إلى مشيئتهم لعلمهم به
والثاني راجع لتفضل الله سبحانه وتعالى، فجنس النعم التي للمومنين عُلم به هو نعيم البدن من أكل وشرب وجنان وقصور وخيام وأزواج مطهرة وحور عين وغلمان يطوفون عليهم خداما لهم فكل هذه من نعم الأبدان وسرور القلب تبع لها، والنظر إليه سبحانه وتعالى من نعيم القلب ابتداء وانتهاء.

ثامنا: قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم فلا نعيم زائد عن نعيم الجنة إلا النظر إلى وجهه فكل نعيم في الجنة هو منها فالزائد شيء زائد عنها والزائد عن ذلك النظر إلى الله سبحانه وتعالى. والحمد لله الذي تتم به الصالحات.

تاسعا: روى القمي في تفسيره بسنده: ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) فانه حدثني ابي عن عبدالرحمان بن ابي نجران عن عاصم بن حميد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فان الله لم يبين ثوابها لعظم "خطرها"!! عنده فقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون- إلى قوله- يعملون).

ثم قال إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فاذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا معه حلتان فينتهي إلى باب الجنة فيقول: استأذنوا لي على فلان، فيقال له هذا رسول ربك على الباب، فيقول لأزواجه أي شيء ترين علي أحسن؟ فيقلن يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا احسن من هذا قد بعث اليك ربك، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمر بشيء إلا أضاء له حتى ينتهى إلى الموعد فاذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فاذا نظروا اليه أي إلى رحمته (خروا سجدا). فانظروا كيف صرح معصومهم بنظر المؤمنين لله I وكيف استدرك عليك القمي بتفسرها بالرحمة، وما أخسر المؤمنين إن كانت رحمة الله I لا تصلهم إلا يوم الجمعة فقط. وهم أصلا ما دخلوا الجنة إلا بها. والشاهد عندنا قول المعصوم في اعتقادهم لا تفسير أعجمي ليس بمعصوم.   

شبهة: لا يمكن لأحد أن يرى الله تعالى

أنكر شيعي مقلد للمعتزلة أن يُرى الله يوم القيامة وأنكر على المسلمين القائلين بعكسه

قلت:

أما الأدلة على أن الله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون يوم القيامة فهي كالتالي بالإختصار:

أولا: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فالله عز وجل أضاف النظر في الآية الكريمة إلى الوجه، الذي هو محله، وتعدى فعل نظر بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته، فالآية بهذا موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله. فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه؛ فإن عدي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار: {انظرونا نقتبس من نوركم}. وإن عدي بـ"في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض}، وإن عدي بـ"إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟.
فإذا لم يرد مسيلمة كوران إلا تحريفها عن معناها البين والواضح ويُسمِّي ذلك تأويلاً، فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها، وتأويل كلِّ نص تضمَّنه القرآن والسنة كذلك. ولا يشاء مبطلٌ على وجه الأرض أن يؤوِّلَ النصوص، ويحرِّفَها عن مواضعها، إلاَّ وجد إلى ذلك مِنَ السبيل ما وجده متأوِّل مثل هذه النصوص.

ثانيا: الدليل العقلي الموافق لهذه الآية: وهو أن كل موجود جائز أن يُرى وتتعلق الرؤية به وإنما الرؤية لا تتعلق بالمعدوم سواء كان يستحيل وجوده أو ممكن وجوده فطالما أنه في حيز العدم لا يُرى، فالله سبحانه وتعالى موجود لا معدوم فجائز أن يُرى وهذا بالإستقراء التام إذ لا تكاد تجد موجودا إلا وهناك من رآه، وهذا الإلزام بإلزامهم فهم يقولون لا نعلم ممن له يدا أو ساقا إلا الأجسام، فنقول ولا نعلم ممن لا يُرى إلا العدم.

ثالثا: (فمن كان يرجو لقاء ربه) وغيرها من الآيات التي فيها أن الله تعالى يلقى عباده فقد أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والنظر.

رابعا: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليلا على أن أولياءه يرونه في الرضى. ولو كان الكفار كلهم لا يرونه والمؤمنون كلهم لا يرونه لكانوا كلهم عنه محجوبون فلم يكن لذكر ذلك مقيدا بالكفار أي فائدة بل يكون والعياذ بالله لغوا.

خامسا: أن الله سبحانه وتعالى قال لمحجوبون فالحجاب حاجب للعباد لا لله سبحانه كما نبهت عليه هذه الآية الكريمة فانه بين فيها انهم هم المحجوبون لا هو فدل أنه سبحانه وتعالى غير محجوب وكل ما كان غير محجوب فإنه مرئي وبهذا فجميع المومنين يرونه سبحانه وتعالى وحُجِب الكفار عن رؤيته، 
وأعد التدقيق في الآية وكيف قال سبحانه وتعالى "إنهم عنه" ولم يقل "إنه عنهم" ففيها سر لطيف لمن فتح الله بصره وبصيرته.

سادسا:  قوله تعالى: (على الأرائك ينظرون)، ووجه الإستدلال أنه قد حُذف المنظور إليه والقاعدة البلاغية أن حذف المعمول يفيد الشمول فقوله عز وجل ينظرون أي إلى كل نعيم وما يشتهون ومن ذلك النظر إلى وجه الله الكريم والمستثني شيئا من هذا العموم وجب عليه الإستدلال على هذا الإستثناء بنص قطعي ولا وجود له، 
والله سبحانه وتعالى يقول تعرف في وجوههم نضرة النعيم وهذه النضرة تكون بسبب النظر إلى وجهه الكريم كما قال في الآية السابقة: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)

سابعا: قوله تعالى: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد)، ووجه الإستدلال زيادة على تفسير علي ابن أبي طالب لها أن الله عز وجل أثبت لأهل الجنة نعيمين ليسا من جنس واحد، فأحد النعيمين راجع إلى مشيئتهم لعلمهم به
والثاني راجع لتفضل الله سبحانه وتعالى، فجنس النعم التي للمومنين عُلم به هو نعيم البدن من أكل وشرب وجنان وقصور وخيام وأزواج مطهرة وحور عين وغلمان يطوفون عليهم خداما لهم فكل هذه من نعم الأبدان وسرور القلب تبع لها، والنظر إليه سبحانه وتعالى من نعيم القلب ابتداء وانتهاء.

ثامنا: قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم فلا نعيم زائد عن نعيم الجنة إلا النظر إلى وجهه فكل نعيم في الجنة هو منها فالزائد شيء زائد عنها والزائد عن ذلك النظر إلى الله سبحانه وتعالى. والحمد لله الذي تتم به الصالحات.

تاسعا: روى القمي في تفسيره بسنده: ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) فانه حدثني ابي عن عبدالرحمان بن ابي نجران عن عاصم بن حميد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فان الله لم يبين ثوابها لعظم "خطرها"!! عنده فقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون- إلى قوله- يعملون).

ثم قال إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فاذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا معه حلتان فينتهي إلى باب الجنة فيقول: استأذنوا لي على فلان، فيقال له هذا رسول ربك على الباب، فيقول لأزواجه أي شيء ترين علي أحسن؟ فيقلن يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا احسن من هذا قد بعث اليك ربك، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمر بشيء إلا أضاء له حتى ينتهى إلى الموعد فاذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فاذا نظروا اليه أي إلى رحمته (خروا سجدا). فانظروا كيف صرح معصومهم بنظر المؤمنين لله I وكيف استدرك عليك القمي بتفسرها بالرحمة، وما أخسر المؤمنين إن كانت رحمة الله I لا تصلهم إلا يوم الجمعة فقط. وهم أصلا ما دخلوا الجنة إلا بها. والشاهد عندنا قول المعصوم في اعتقادهم لا تفسير أعجمي ليس بمعصوم.   

نشر في : ديسمبر 15, 2017 |  من طرف alkachif

الخميس، 14 ديسمبر 2017

نص الشبهة:

قال القائل بخلق القرآن:

قد وصف الله سبحانه وتعالى الذكر وهو القرآن بأنه محدث أي مخلوق وهذا نص صريح في أنه مخلوق.

نص الجواب:

قال أبوبكر المغربي:


أولا: المراد من الذكر هنا المنكر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى سماه ذكرا في أواخر سورة  يس  فقال: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) والواو تقتضي المغايرة فالذكر في آية يس ليس بمعنى القرآن قطعا وإنما هو كلام الرسول. فيكون المعنى على هذا لا ياتيهم كلام من الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يقوله إلا استمعوه وهم لاهون عنه، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى قال بعدها مباشرة: (هل هذا إلا بشر مثلكم).

ثانيا: أن المراد بالذكر الموعظة فهذا أعم ويشمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ويشهد لهذا أن الله تعالى سمى المواعظ  ذكرا في آيات كثيرة كقوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، ومما يشهد لهذين القولين الأولين أن الله تعالى لم يقل (ما يأتيهم ذكر إلا كان محدثا).  فدل على أن من الذكر ما ليس بمحدث، وفي هذا يقول الإمام أبو الحسن الثعلبي في كتابه: "غاية المرام في علم الكلام": (يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ  _أي الذكر_ الْوَعْظ والتذكير الْخَارِج عَن الْقُرْآن وَهُوَ الْأَقْرَب فَإِن الْقُرْآن لم يحدث عِنْدهم لعبا وضحكا بل إفحاما وإشداها). هذا إذا حملنا معنى محدث على الخلق وسلمنا بالقول الباطل أن كُل ما كان في وقت دون آخر فهو مخلوق من غير النظر إلى الفاعل.
فإن قيل إذا فسرنا الذكر بالموعظة فهذا عام يشمل وعظ النبي ووعظ الله تعالى الذي هو القرآن فيكون اسم الحدث شاملا لهما معا، فنقول: جوابنا ما أجاب به إمام السنة أحمد بن حنبل، ذكر الإمام أحمد في الرد على الجهمية استدلال الجهمية بهذه الآية ورد عليهم بإجابة مطولة:
(اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليهما اسم مدح، فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه، وإن جرى عليه اسم ذم فأدناهما أولى به، ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} يعني الأبرار دون الفجار، فإذا اجتمعوا في اسم الإنسان، واسم العباد، فالمعنى في قوله الله جل ثناؤه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} يعني الأبرار دون الفجار، لقوله إذا انفرد الأبرار: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}.
وإذا انفرد الفجار: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس، لأن المؤمن إذا انفرد أعطى المدحة لقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}. وإذا انفرد الكفار جرى عليهم الذم في قوله: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، وقال: {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}. فهؤلاء لا يدخلون في الرحمة.
وفي قوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}.
فاجتمع الكافر والمؤمن في اسم العبد، والكافر أولى بالبغي من المؤمنين؛ لأن المؤمنين انفردوا ومدحوا فيما بسط لهم من الرزق، وهو وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}. وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}.
وقد بُسط الرزق لسليمان بن داود، ولذي القرنين، وأبي بكر، وعمر، ومن كان على مثالهم ممن بسط له فلم يبغِ. وإذا انفرد الكافر وقع عليه اسم البغي في قوله لقارون: {فَبَغَى عَلَيْهِمْ}. ونمرود بن كنعان حين آتاه الله الملك فحاج في ربه، وفرعون حين قال موسى: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. فلما اجتمعوا في الاسم الواحد فجرى عليهم اسم البغي كان الكفار أولى به، كما أن المؤمن أولى بالمدح.
فلما قال الله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}. فجمع بين ذكرين: ذكر الله، وذكر نبيه، فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجرِ عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}. {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ}.
وإذا انفرد ذكر النبي r فإنه جرى عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}. فذكره r له عمل، والله له خالق محدث، والدلالة على أنه جمع بين ذكرين لقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}. فأوقع عليه الحدث عنه إتيانه إيانا، وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنباء إلا مبلغ ومذكر، وقال الله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}، {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}. فلما اجتمعوا في اسم الذكر، جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق، ولا حدث، فوجدنا دلالة من قول الله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} إلى النبي r لأن النبي r كان لا يعلم فعلمه الله، فلما علمه الله كان ذلك محدثًا إلى النبي r).انتهى.
الرد على الجهمية ص80 - 82. كما ذكر هذين الوجهين في الآية ابن حجرعن ابن بطال. انظر: فتح الباري 13/497.

ثالثا: أن المراد بالذكر المنكر في الآية هو نفس الرسول صلى الله عليه وسلم والمعنى ما ياتيهم رسول محدث يدعوهم إلى التوحيد إلا واستمعوا لكلامه غافلين عنه والله تعالى قد سمى الرسول في كتابه ذكرا فقال: (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله) "فرسولا" بدل من "ذكرا" بدل كل من كل وعلى هذا فالذكر في هذه الآية هو نفس الرسول.
قال الإمام أبو الحسين العمراني الشافعي رحمه الله في كتابه "في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار":
(إنه لا يرد بالذكر هاهنا القرآن، لأن كل ذكر في القرآن أراد به القرآن فإنه معرف بالألف واللام أو ممدوح أو موصوف بأنه منزل ليفرق بينه وبين غيره بالذكر، فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال: {ص والقرآن ذي الذكر}. وقال: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم}، وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}، وقال: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر}، وقال {وهذا ذكر مبارك أنزلناه}، فذكر الذكر في هذه الآية منكرا إلا أنه مدحه بالبركة ووصفه بأنه منزل ليدل على أنه القرآن.
وفي هذه الآية التي استدلوا بها ذكر منكر ولم يمدحه ولا وصفه بأنه منزل ليدل على أنه غير القرآن فيحمل على أحد معنيين: إما على النبي r لأن الله سماه ذكرا بقوله تعالى: {قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم}، ويدل على هذا التأويل أنه قال: {ما يأتيهم من ذكر} فذكر أن الذكر يأتيهم، والذي يأتيهم بنفسه هو النبي r في المواعظ والتخويف من كلامه لا من كلام الله، ويدل على هذا أن قريشا كانوا إذا سمعوا القرآن قسموا آراءهم فيه، ولم يقابلوه بالضحك واللعب. فدل على أن الذي ضحكوا منه  هو ذكر غير القرآن).

رابعا: أن المحدث يقع في اللغة على ما كان واضحا جليا وليس على المخلوق فقط، ولهذا تقول العرب: أحدث الصيقلُ السيفَ والمرآةَ إذا جلاهما، وقال جرير:
ضربت عند الأمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم
أي جلي غير قاطع.
فعلى هذا يكون المعنى أنه ما تاتيهم آية واضحة وبينة إلا وقابلوها بالإستهزاء وهذا المعنى أرجح في مقابلة قول المعتزلة وغيرهم لشواهد من الكتاب والسنة في أن القرآن واضح وبين وأنه غير مخلوق.

خامسا: أن المحدث يطلق في اللغة أيضا ويُراد به المُظهَر ولا يراد به المخلوق بدليل ما أخبر الله عن الخضر أنه قال لموسى عليهما السلام: {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يعني أظهر وأبدي لك لا أن أخلق.
 وهذا أيضا أرجح من المعنى الذي ذهبوا إليه، وذلك أن القرآن مظهر لخفايا وقد فضح ما كان يُضمره المنافقون، وهذا المعنى تشهد له آيات بخلاف ما ذهبوا إليه فتخالفه آيات

سادسا: إن قلنا إن الذكر في الآية هو القرآن فهو محدث باعتبار نزوله وتلاوة جبريل له على النبي فالقرآن كما هو معلوم عند المسلمين لم ينزل جملة واحدة وإنما سورة  تتلوها الأخرى فكلما جاءتهم سورة جديدة استمعوها لاعبين.
وكما قال الإمام الفقيه ابن الحاج في كتابه "حز الغلاصم في إفحام المخاصم":
(ولايشك عَاقل أَن الْقُرْآن مُحدث التَّنْزِيل وَلم ينزل الْقُرْآن على مُحَمَّد r إِلَّا نجوما شَيْئا بعد شَيْء فِي نَيف وَعشْرين سنة
فَالله يَقُول لنَبيه: {مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان} {ووجدك ضَالًّا فهدى} وَقَوله بعد النُّبُوَّة والرسالة {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} حَتَّى نسخت بقوله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْآيَات الواردات فِيهِ r وَفِي الْمُؤمنِينَ وَفِي الْمُشْركين إِلَى قَوْله {وَأعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} فَلَو كَانَت هَذِه الْآيَات نزلت عَلَيْهِ أَولا لما قَالَ: {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} وَهَذِه جَهَالَة من أهل الاعتزال بِصِفَات ذِي الْجلَال والكمال).
                                                             
سابعا: إن قلنا إن محدث نعت للقرآن فالمعنى أن الله تعالى تكلم به بعد أن تكلم بالتوراة والإنجيل وغيره من الكتب السابقة، والمحدث في اللغة يقال لما قابل القديم فيقال للشيء الذي يقابل ما تقدمه محدث، فتَكلُّمُ الله سبحانه وتعالى بالقرآن كان محدثا في مقابل تكلمه بالتوراة والإنجيل.

ثامنا: نقول لمن لا يفهم من كلمة الذكر إلا القرآن ولا يفهم من كلمة محدث إلا مخلوق هل تلتزمون بذلك فتقولون إن الخضر عنى بقوله عندما قال لموسى عليهما السلام: {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}. أي حتى أخلق لك قرآنا، وهل تقولون في قوله تعالى: (وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) أي أن القرآن يخلق قرآنا، فإن لم تلتزموا بذلك في هاتين الآيتين فلا إلزام في آيتنا هذه.

تاسعا: نقول للمعتزلة ومن استدل بهذه الآية على خلق القرآن: إن هذه الآية حجة عليك، فإنه لما قال سبحانه وتعالى: "ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث" عُلِم أن الذكر منه محدث ومنه ما ليس بمحدث، لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال قائل: ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعاماً حلالاً ونحو ذلك، عُلم أن من الرجال من ليس بمسلم ومن الأطعمة ما ليس بحلال.
ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله المعتزلة ولكنه الذي أنزل جديداً، فإن الله سبحانه وتعالى كان يُنزل القرآن شيئاً بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال عز وجل: "كالعرجون القديم" وقال: "تالله إنك لفي ضلالك القديم" وقال: "وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" وقال: "أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون".

عاشرا: نختم بكلام ابن بطة رحمه الله: (ثم إن الجهمي إذا بطلت حجته فيما ادعاه ادعى أمرًا آخر، فقال: إنا أجد في الكتاب آية تدل على أن القرآن مخلوق، فقيل: أية آية هي؟
قال: قول الله عز وجل: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}.
أفلا ترون أن كل محدث مخلوق؟
فوَهَّم على الضعفاء والأحداث وأهل الغباوة وموّه عليهم، فيقال له: إن الذي لم يزل به عالما لا يكون محدثًا، فعلمه أزلي كما أنه هو أزلي، وفعله مضمر في علمه، وإنما يكون محدثًا ما لم يكن به عالِمًا حتى علمه فيقول: إن الله U لم يزل عالِمًا بجميع ما في القرآن قبل أن ينزل القرآن، وقبل أن يأتي به جبريل وينزل به على محمد r وقد قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} قبل أن يخلق آدم. وقال: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}. يقول: كان إبليس في علم الله كافرًا قبل أن يخلقه، ثم أوحى بما قد كان علمه من جميع الأشياء. وقد أخبرنا عز وجل عن القرآن، فقال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} فنفى عنه أن يكون غير الوحي، وإنما معنى قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} أراد: محدثًا علمه وخبره وزجره وموعظته عند محمد r وإنما أراد: أن عِلمك يا محمد ومعرفتك محدث بما أوحى إليك من القرآن، وإنما أراد: أن نزول القرآن عليك يحدث لك ولمن سمعه علم وذكر لم تكونوا تعلمونه.
ألم تسمع إلى قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} وقال: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}. فأخبر أن الذكر المحدث هو ما يحدث من سامعين وممن علّمه وأنزل عليه إلا أن القرآن محدث عند الله، ولا أن الله كان ولا قرآن؛ لأن القرآن إنما هو من علم الله، فمن زعم أن القرآن هو بعده فقد زعم أن الله كان ولا علم ولا معرفة عنده بشيء مما في القرآن ولا اسم له ولا عزة له ولا صفة له حتى أحدث القرآن. ولا نقول: إنه فعل الله، ولا يقال: كان الله قبله، ولكن نقول: إن الله لم يزل عالِمًا، لا متى علم، ولا كيف علم، وإنما وهمت الجهمية الناس ولبست عليهم بأن يقول أليس الله الأول قبل كل شيء، وكان ولا شيء، وإنما المعنى في كان الله قبل كل شيء، قبل السموات وقبل الأرضين، وقبل كل شيء مخلوق، فأما أن نقول قبل علمه وقبل قدرته وقبل حكمته وقبل عظمته وقبل كبريائه وقبل جلاله وقبل نوره، فهذا كلام الزنادقة.
وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فإنما هو ما يحدّث الله عند نبيه وعند أصحابه والمؤمنين من عباده، وما يحدثه عندهم من العلم وما لم يسمعوه، ولم يأتهم به كتاب قبله ولا جاءهم به رسول.
ألم تسمع إلى قوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} وإلى قوله فيما يحدث القرآن في قلوب المؤمنين إذا سمعوه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} فأعلمنا أن القرآن يحدث نزوله لنا علمًا وذكرًا وخوفًا، فعلم نزوله محدث عندنا، وغير محدث عند ربنا عز وجل). انتهى.


فمع كل هذه الإحتمالات اليقينية القوية الجلية التي قيلت في الآية وغيرها كثير حيث يصير الإستدلال بها في خلق القرآن أضعف من الضعيف وأهون من خيط العنكبوت ألا يجعل الآية أقل ما يُقال فيها إنها متشابهة؟؟ والآيات الدالة على أنه غير مخلوق صريحة ومحكمة؟؟  كقوله I: (وكلم الله موسى تكليما)، (وكلمه ربه)، (حتى يسمع كلام الله)، وغيرها كثير.




شبهة: ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث

نص الشبهة:

قال القائل بخلق القرآن:

قد وصف الله سبحانه وتعالى الذكر وهو القرآن بأنه محدث أي مخلوق وهذا نص صريح في أنه مخلوق.

نص الجواب:

قال أبوبكر المغربي:


أولا: المراد من الذكر هنا المنكر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى سماه ذكرا في أواخر سورة  يس  فقال: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) والواو تقتضي المغايرة فالذكر في آية يس ليس بمعنى القرآن قطعا وإنما هو كلام الرسول. فيكون المعنى على هذا لا ياتيهم كلام من الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يقوله إلا استمعوه وهم لاهون عنه، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى قال بعدها مباشرة: (هل هذا إلا بشر مثلكم).

ثانيا: أن المراد بالذكر الموعظة فهذا أعم ويشمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ويشهد لهذا أن الله تعالى سمى المواعظ  ذكرا في آيات كثيرة كقوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، ومما يشهد لهذين القولين الأولين أن الله تعالى لم يقل (ما يأتيهم ذكر إلا كان محدثا).  فدل على أن من الذكر ما ليس بمحدث، وفي هذا يقول الإمام أبو الحسن الثعلبي في كتابه: "غاية المرام في علم الكلام": (يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ  _أي الذكر_ الْوَعْظ والتذكير الْخَارِج عَن الْقُرْآن وَهُوَ الْأَقْرَب فَإِن الْقُرْآن لم يحدث عِنْدهم لعبا وضحكا بل إفحاما وإشداها). هذا إذا حملنا معنى محدث على الخلق وسلمنا بالقول الباطل أن كُل ما كان في وقت دون آخر فهو مخلوق من غير النظر إلى الفاعل.
فإن قيل إذا فسرنا الذكر بالموعظة فهذا عام يشمل وعظ النبي ووعظ الله تعالى الذي هو القرآن فيكون اسم الحدث شاملا لهما معا، فنقول: جوابنا ما أجاب به إمام السنة أحمد بن حنبل، ذكر الإمام أحمد في الرد على الجهمية استدلال الجهمية بهذه الآية ورد عليهم بإجابة مطولة:
(اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليهما اسم مدح، فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه، وإن جرى عليه اسم ذم فأدناهما أولى به، ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} يعني الأبرار دون الفجار، فإذا اجتمعوا في اسم الإنسان، واسم العباد، فالمعنى في قوله الله جل ثناؤه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} يعني الأبرار دون الفجار، لقوله إذا انفرد الأبرار: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}.
وإذا انفرد الفجار: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس، لأن المؤمن إذا انفرد أعطى المدحة لقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}. وإذا انفرد الكفار جرى عليهم الذم في قوله: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، وقال: {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}. فهؤلاء لا يدخلون في الرحمة.
وفي قوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}.
فاجتمع الكافر والمؤمن في اسم العبد، والكافر أولى بالبغي من المؤمنين؛ لأن المؤمنين انفردوا ومدحوا فيما بسط لهم من الرزق، وهو وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}. وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}.
وقد بُسط الرزق لسليمان بن داود، ولذي القرنين، وأبي بكر، وعمر، ومن كان على مثالهم ممن بسط له فلم يبغِ. وإذا انفرد الكافر وقع عليه اسم البغي في قوله لقارون: {فَبَغَى عَلَيْهِمْ}. ونمرود بن كنعان حين آتاه الله الملك فحاج في ربه، وفرعون حين قال موسى: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. فلما اجتمعوا في الاسم الواحد فجرى عليهم اسم البغي كان الكفار أولى به، كما أن المؤمن أولى بالمدح.
فلما قال الله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}. فجمع بين ذكرين: ذكر الله، وذكر نبيه، فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجرِ عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}. {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ}.
وإذا انفرد ذكر النبي r فإنه جرى عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}. فذكره r له عمل، والله له خالق محدث، والدلالة على أنه جمع بين ذكرين لقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}. فأوقع عليه الحدث عنه إتيانه إيانا، وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنباء إلا مبلغ ومذكر، وقال الله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}، {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}. فلما اجتمعوا في اسم الذكر، جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق، ولا حدث، فوجدنا دلالة من قول الله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} إلى النبي r لأن النبي r كان لا يعلم فعلمه الله، فلما علمه الله كان ذلك محدثًا إلى النبي r).انتهى.
الرد على الجهمية ص80 - 82. كما ذكر هذين الوجهين في الآية ابن حجرعن ابن بطال. انظر: فتح الباري 13/497.

ثالثا: أن المراد بالذكر المنكر في الآية هو نفس الرسول صلى الله عليه وسلم والمعنى ما ياتيهم رسول محدث يدعوهم إلى التوحيد إلا واستمعوا لكلامه غافلين عنه والله تعالى قد سمى الرسول في كتابه ذكرا فقال: (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله) "فرسولا" بدل من "ذكرا" بدل كل من كل وعلى هذا فالذكر في هذه الآية هو نفس الرسول.
قال الإمام أبو الحسين العمراني الشافعي رحمه الله في كتابه "في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار":
(إنه لا يرد بالذكر هاهنا القرآن، لأن كل ذكر في القرآن أراد به القرآن فإنه معرف بالألف واللام أو ممدوح أو موصوف بأنه منزل ليفرق بينه وبين غيره بالذكر، فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال: {ص والقرآن ذي الذكر}. وقال: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم}، وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}، وقال: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر}، وقال {وهذا ذكر مبارك أنزلناه}، فذكر الذكر في هذه الآية منكرا إلا أنه مدحه بالبركة ووصفه بأنه منزل ليدل على أنه القرآن.
وفي هذه الآية التي استدلوا بها ذكر منكر ولم يمدحه ولا وصفه بأنه منزل ليدل على أنه غير القرآن فيحمل على أحد معنيين: إما على النبي r لأن الله سماه ذكرا بقوله تعالى: {قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم}، ويدل على هذا التأويل أنه قال: {ما يأتيهم من ذكر} فذكر أن الذكر يأتيهم، والذي يأتيهم بنفسه هو النبي r في المواعظ والتخويف من كلامه لا من كلام الله، ويدل على هذا أن قريشا كانوا إذا سمعوا القرآن قسموا آراءهم فيه، ولم يقابلوه بالضحك واللعب. فدل على أن الذي ضحكوا منه  هو ذكر غير القرآن).

رابعا: أن المحدث يقع في اللغة على ما كان واضحا جليا وليس على المخلوق فقط، ولهذا تقول العرب: أحدث الصيقلُ السيفَ والمرآةَ إذا جلاهما، وقال جرير:
ضربت عند الأمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم
أي جلي غير قاطع.
فعلى هذا يكون المعنى أنه ما تاتيهم آية واضحة وبينة إلا وقابلوها بالإستهزاء وهذا المعنى أرجح في مقابلة قول المعتزلة وغيرهم لشواهد من الكتاب والسنة في أن القرآن واضح وبين وأنه غير مخلوق.

خامسا: أن المحدث يطلق في اللغة أيضا ويُراد به المُظهَر ولا يراد به المخلوق بدليل ما أخبر الله عن الخضر أنه قال لموسى عليهما السلام: {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يعني أظهر وأبدي لك لا أن أخلق.
 وهذا أيضا أرجح من المعنى الذي ذهبوا إليه، وذلك أن القرآن مظهر لخفايا وقد فضح ما كان يُضمره المنافقون، وهذا المعنى تشهد له آيات بخلاف ما ذهبوا إليه فتخالفه آيات

سادسا: إن قلنا إن الذكر في الآية هو القرآن فهو محدث باعتبار نزوله وتلاوة جبريل له على النبي فالقرآن كما هو معلوم عند المسلمين لم ينزل جملة واحدة وإنما سورة  تتلوها الأخرى فكلما جاءتهم سورة جديدة استمعوها لاعبين.
وكما قال الإمام الفقيه ابن الحاج في كتابه "حز الغلاصم في إفحام المخاصم":
(ولايشك عَاقل أَن الْقُرْآن مُحدث التَّنْزِيل وَلم ينزل الْقُرْآن على مُحَمَّد r إِلَّا نجوما شَيْئا بعد شَيْء فِي نَيف وَعشْرين سنة
فَالله يَقُول لنَبيه: {مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان} {ووجدك ضَالًّا فهدى} وَقَوله بعد النُّبُوَّة والرسالة {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} حَتَّى نسخت بقوله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْآيَات الواردات فِيهِ r وَفِي الْمُؤمنِينَ وَفِي الْمُشْركين إِلَى قَوْله {وَأعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} فَلَو كَانَت هَذِه الْآيَات نزلت عَلَيْهِ أَولا لما قَالَ: {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} وَهَذِه جَهَالَة من أهل الاعتزال بِصِفَات ذِي الْجلَال والكمال).
                                                             
سابعا: إن قلنا إن محدث نعت للقرآن فالمعنى أن الله تعالى تكلم به بعد أن تكلم بالتوراة والإنجيل وغيره من الكتب السابقة، والمحدث في اللغة يقال لما قابل القديم فيقال للشيء الذي يقابل ما تقدمه محدث، فتَكلُّمُ الله سبحانه وتعالى بالقرآن كان محدثا في مقابل تكلمه بالتوراة والإنجيل.

ثامنا: نقول لمن لا يفهم من كلمة الذكر إلا القرآن ولا يفهم من كلمة محدث إلا مخلوق هل تلتزمون بذلك فتقولون إن الخضر عنى بقوله عندما قال لموسى عليهما السلام: {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}. أي حتى أخلق لك قرآنا، وهل تقولون في قوله تعالى: (وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) أي أن القرآن يخلق قرآنا، فإن لم تلتزموا بذلك في هاتين الآيتين فلا إلزام في آيتنا هذه.

تاسعا: نقول للمعتزلة ومن استدل بهذه الآية على خلق القرآن: إن هذه الآية حجة عليك، فإنه لما قال سبحانه وتعالى: "ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث" عُلِم أن الذكر منه محدث ومنه ما ليس بمحدث، لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال قائل: ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعاماً حلالاً ونحو ذلك، عُلم أن من الرجال من ليس بمسلم ومن الأطعمة ما ليس بحلال.
ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله المعتزلة ولكنه الذي أنزل جديداً، فإن الله سبحانه وتعالى كان يُنزل القرآن شيئاً بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال عز وجل: "كالعرجون القديم" وقال: "تالله إنك لفي ضلالك القديم" وقال: "وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" وقال: "أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون".

عاشرا: نختم بكلام ابن بطة رحمه الله: (ثم إن الجهمي إذا بطلت حجته فيما ادعاه ادعى أمرًا آخر، فقال: إنا أجد في الكتاب آية تدل على أن القرآن مخلوق، فقيل: أية آية هي؟
قال: قول الله عز وجل: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}.
أفلا ترون أن كل محدث مخلوق؟
فوَهَّم على الضعفاء والأحداث وأهل الغباوة وموّه عليهم، فيقال له: إن الذي لم يزل به عالما لا يكون محدثًا، فعلمه أزلي كما أنه هو أزلي، وفعله مضمر في علمه، وإنما يكون محدثًا ما لم يكن به عالِمًا حتى علمه فيقول: إن الله U لم يزل عالِمًا بجميع ما في القرآن قبل أن ينزل القرآن، وقبل أن يأتي به جبريل وينزل به على محمد r وقد قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} قبل أن يخلق آدم. وقال: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}. يقول: كان إبليس في علم الله كافرًا قبل أن يخلقه، ثم أوحى بما قد كان علمه من جميع الأشياء. وقد أخبرنا عز وجل عن القرآن، فقال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} فنفى عنه أن يكون غير الوحي، وإنما معنى قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} أراد: محدثًا علمه وخبره وزجره وموعظته عند محمد r وإنما أراد: أن عِلمك يا محمد ومعرفتك محدث بما أوحى إليك من القرآن، وإنما أراد: أن نزول القرآن عليك يحدث لك ولمن سمعه علم وذكر لم تكونوا تعلمونه.
ألم تسمع إلى قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} وقال: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}. فأخبر أن الذكر المحدث هو ما يحدث من سامعين وممن علّمه وأنزل عليه إلا أن القرآن محدث عند الله، ولا أن الله كان ولا قرآن؛ لأن القرآن إنما هو من علم الله، فمن زعم أن القرآن هو بعده فقد زعم أن الله كان ولا علم ولا معرفة عنده بشيء مما في القرآن ولا اسم له ولا عزة له ولا صفة له حتى أحدث القرآن. ولا نقول: إنه فعل الله، ولا يقال: كان الله قبله، ولكن نقول: إن الله لم يزل عالِمًا، لا متى علم، ولا كيف علم، وإنما وهمت الجهمية الناس ولبست عليهم بأن يقول أليس الله الأول قبل كل شيء، وكان ولا شيء، وإنما المعنى في كان الله قبل كل شيء، قبل السموات وقبل الأرضين، وقبل كل شيء مخلوق، فأما أن نقول قبل علمه وقبل قدرته وقبل حكمته وقبل عظمته وقبل كبريائه وقبل جلاله وقبل نوره، فهذا كلام الزنادقة.
وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فإنما هو ما يحدّث الله عند نبيه وعند أصحابه والمؤمنين من عباده، وما يحدثه عندهم من العلم وما لم يسمعوه، ولم يأتهم به كتاب قبله ولا جاءهم به رسول.
ألم تسمع إلى قوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} وإلى قوله فيما يحدث القرآن في قلوب المؤمنين إذا سمعوه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} فأعلمنا أن القرآن يحدث نزوله لنا علمًا وذكرًا وخوفًا، فعلم نزوله محدث عندنا، وغير محدث عند ربنا عز وجل). انتهى.


فمع كل هذه الإحتمالات اليقينية القوية الجلية التي قيلت في الآية وغيرها كثير حيث يصير الإستدلال بها في خلق القرآن أضعف من الضعيف وأهون من خيط العنكبوت ألا يجعل الآية أقل ما يُقال فيها إنها متشابهة؟؟ والآيات الدالة على أنه غير مخلوق صريحة ومحكمة؟؟  كقوله I: (وكلم الله موسى تكليما)، (وكلمه ربه)، (حتى يسمع كلام الله)، وغيرها كثير.




نشر في : ديسمبر 14, 2017 |  من طرف alkachif

هل صفات الله تعالى عين ذاته أو زائدة عن ذاته؟

_ معنى قولنا الصفات زائدة عين الذات:


 أي أننا نثبت لله سبحانه وتعالى ذاتا ونثبت له صفات زيادة على إثباتنا لذاته فصفات العلم والسمع والبصر والكلام والحياة والرحمة والحكمة والحب والرأفة هذه الصفات ليست هي نفس الذات، فالمعطلة كالجهمية المتقدمين والمتأخرين والمعتزلة أثبتوا ذات الله I مجردة من كل الصفات فقابلهم أهل السنة المثبتة للصفات فقالوا: إنا نثبت صفاتٍ زائدةً على الذات ولم يقولوا غير الذات كما نسب إليهم مسيلمة الكذاب فزيادة لفظ "زائد عن الذات" إنما نُطلقها في مقابل من أطلق الذات مجردة عن صفاتها أما من أطلقها يريد الذات الموجودة في الخارج بصفاتها اللازمة لها  فلا نقول في تلك الذات عندئذ: "هناك صفات زائدة عنها" لأن الموجودة في الخارج موجودة بصفاتها.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في شرحه لحديث النزول: (وإذا قال من قال من أهل الإثبات للصفات: أنا أثبت صفات الله زائدة على ذاته: فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات. فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات، فقال أهل الإثبات: نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء.
وأما الذات نفسها الموجودة فتلك لا يتصور أن تتحقق بلا صفة أصلا، بل هذا بمنزلة من قال: أثبت إنسانا، لا حيوانا، ولا ناطقا، ولا قائما بنفسه، ولا بغيره، ولا له قدرة، ولا حياة، ولا حركة، ولا سكون، أو نحو ذلك، أو قال: أثبت نخلة ليس لها ساق، ولا جذع، ولا ليف، ولا غير ذلك؛  فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج، ولا يعقل؛ ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله I وإن كانوا هم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين فيقولون: هو موجود قديم واجب، ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود، حق ليس بحق، خالق ليس بخالق، فينفون عنه النقيضين، إما تصريحا بنفيهما، وإما إمساكا عن الإخبار بواحد منهما).

_ معنى قولهم صفات الله عين ذاته.

مرادهم بهذا هو أن الله جل وعلا استغنى بذاته عن كل شيء، حيث اعتبروا إثبات الصفات لله جل وعلا هو من قبيل الحاجة إليها، وأن إثباتها معه إثبات لقديم أزلي، وهذا يؤدي إلى تعدد القدماء في زعمهم، وهذا من أصول مقالتهم في إنكار الصفات وتسمية إنكارهم للصفات "التوحيد". انظر: كلام عبد الجبار المعتزلي في بيان السبب لإنكارهم اتصاف الباري جل وعلا بهذه الصفات. شرح الأصول الخمسة ص 195-196.
 وهؤلاء القائلون بهذه العبارة على قسمين كلاهما في الضلال البعيد:

-        إثبات الصفة التي يدل عليها الإسم لكنها نفس ذات الله فيقولون إن الله عالم، فهنا ذات وصفة العلم إلا أن الصفة هي الذات أي علم الله هو الله وحياة الله هي هو وقدرة الله هي هو فيلزم من هذا الكفر أن من قال داعيا يا قدرة الله أنه دعا الله.
-        نفي الصفة تماما فيقولون إن الله عليم بذاته وسميع بذاته ولا علم له ولا سمع له ولم يصفوا الله تعالى إلا بما يسمونه (السلوب) أي سلب صفات النقص عنه فيقولون ليس بجاهل في مقابل نفيهم لصفة العلم زعما منهم أن إثبات هذه الصفات يستلزم تعدد القدماء فيكون عندنا أكثر من قديم لا أول له وهؤلاء هم المعتزلة ومن قلدهم كالرافضة فهم يقولون إذا أثبتنا لله تلك الصفات نقول كان الله وعلمه كان الله وسمعه فيكون عندنا أكثر من قديم.
 والجواب على جهلهم وضلالهم من وجوه:

أولا: إن الصفات زائدة عن الذات لا عن الله عز وجل حتى يُلزمنا هذا الإلزام "أي تعدد القدماء"أما لفظ الجلالة الله فإنه يُطلق على الذات والصفات معا ولا يُطلق على أحدهما دون الآخر فلا يُقال "الله"  ويراد به الذات فقط أوالصفات فقط، فإن تبين أنه لا يصح أن يقال كان الله وعلمه لأن لفظ الجلالة الله شمل العلم والذات وإنما يُقال كان الله بعلمه كان الله بسمعه  فلا يلزم تعدد القدماء، وما وقعوا فيه من هذا السخف إلا ببعدهم عن الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل:

(وقول القائل: الصفات زائدة على الذات ليس كقوله: صفات الله زائدة على الله، لأن مسمى اسم الله يدخل في صفاته، فإذا قال: "الله" دخل فيه صفاته، فإذا قال: هي غيره أوهم مباينةً لله لم تدخل في اسمه.
وأما لفظ الذات فقد يراد بها الذات التي يقدر أنها مجردة عن الصفات، والصفات زائدة على لفظ الذات).
ثانيا: أن تعدد الصفات القائمة بذات واحدة لا يلزم منها التعدد في الخارج فإنا نقول في زيد طويل وعريض وسميع وبصير ووسيم وعربي ورجل وكل هذه الصفات لا تُوجب تعدد الذوات فزيد هو واحد بصفاته والذي أوقع هؤلاء في هذا الضلال ظنهم أن صفات الله لها وجود خارجي فعندما نقول السمع فسمع الله ذات قائمة بنفسها عندهم وهكذا في جميع الصفات وهذا ما ظنه الأعجمي مسيلمة الكذاب،
 وأيضا نقول لهم ما قاله النووي ردا على المعطلة منهم:

 (فإن كَتَب ألفاً بألوان مختلفة متعددة، لا يشعر ذلك بتعدد الألفات، وإنما التعدد يقع باعتبار تلك الألوان مع المحل، والمتعدد بتعدد محله لايكون متعدداً في نفس الأمر، إذ لو كان متعدداً مع قطع النظرعن محله،  يلزم أن يكون الواحد أكثر من واحد، وذلك محال).

ولنختم بكلام للإمام السفاريني رحمه الله في كتابه "لوامع الأنوار البهية" وما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(اختلف النظار في صفات الباري عز وجل، هل هي عين ذاته تعالى، أو غير ذاته المقدسة، وبهذه الشبهة نفت المعتزلة الصفات عن الذات لأنهم قالوا: إما أن تكون الصفات حادثة، فيلزم قيام الحوادث بذاته، وخلوه تعالى في الأزل عن العلم والقدرة والإرادة والحياة، وغيرها من الكمالات، وصدورها عنه تعالى بالقصد والاختيار أو بشرائط حادثة، والجميع باطل بالاتفاق، وإما أن تكون قديمة فيلزم تعدد القدماء، وهو كفر بإجماع المسلمين، وقد كفر النصارى بثلاثة قدماء فكيف بالأكثر.
والجواب إنما المحظور في تعدد القدماء المغايرة، ونحن نمنع تغاير الذات مع الصفات، والصفات بعضها مع بعض؛ فينتفي التعدد والتكثر، ولئن سلم ما زعموا من تعدد القدماء فالممتنع تعدد القدماء إذا كانت ذواتا مستقلة لا تعدد ذات وصفات لها، فهذا مباين لقول النصارى، كما لا يخفى عن ذي بصيرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحم الله روحه - في شرح العقيدة الأصفهانية: واسم الغير فيه اصطلاحان
أحدهما: أن الغيرين ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر،
والثاني: أن الغيرين ما جاز العلم بأحدهما للآخر. وعُرفا أيضا بأنهما الموجودان اللذان يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر بوجود أو مكان أو زمان، فالغيرية كون الموجودين يتصور انفكاك أحدهما عن الآخر.
والعينية هي الاتحاد في المفهوم بلا تفاوت أصلا. فلا يكونان نقيضين بل يتصور بينهما واسطة بأن يكون الشيء بحيث لا يكون مفهومه مفهوم الآخر، ولا يوجد بدونه، كالجزء مع الكل، والصفة مع الذات العلية، وبعض صفاتها مع بعض.

قال شيخ الإسلام:
والأول -يعني أن حد الغيرين: ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر- اصطلاح المعتزلة والكرامية،
 والثاني: -وهو أن حد الغيرين: ما جاز مفارقة أحدهما للآخر كما تقدم- اصطلاح طوائف من الكلابية والأشعرية، ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة.
قال: وأما الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل t وغيره، فإن لفظ الغير عندهم يحتمل هذا وهذا، ولهذا كان السلف لا يطلقون القول بأن صفات الله تعالى غيره، ولا أنها ليست غيره، فلا يقولون كلام الله غير الله، ولا يقولون ليس غير الله، بل يستفسرون القائل عن مراده فقد يريد الأول وقد يريد الثاني، وهذه طريقة حذاق النظار، فإن أراد الاصطلاح الثاني فجزء الشيء اللازم وصفته اللازمة ليس بغير له، فلا يكون ثبوته موجبا لافتقاره إلى غيره، وإن تكلم بالأول فثبوت الغير بهذا التفسير، لا بد منه فإنه يمكن العلم بوجوده، والعلم بأنه خالق، والعلم بعلمه، والعلم بإرادته، وهم يفسرون عن ذلك بالعقل والعناية، وهذه المعاني أغيار على هذا الاصطلاح، وثبوتها لازم لواجب الوجود، وإذا كان ثبوت هذه الأغيار لازما له لم يجز القول بنفيها لأن نفيها يستلزم نفي واجب الوجود.
واعلم أن مثل هذا وإن سمي تركيبا فليس منافيا لوجوب الوجود فإذا قيل واجب الوجود لا يفتقر إلى غيره قيل لا يفتقر إلى غير يجوز مفارقته له أم إلى غير لازم لوجوده؟
 فالأول حق،
 وأما الثاني، إذا أريد بالافتقار أنه مستلزم له فممنوع.

وقال شيخ الإسلام أيضا - قدس الله سره - في كتابه: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) ما ملخصه: من الناس من يقول: كل صفة للرب U غير الأخرى، ويقول الغيران ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر.
ومنهم من يقول: ليست هي غير الأخرى ولا هي هي، لأن الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر أو ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود.
قال: والذي عليه سلف الأمة وأئمتها إذا قيل لهم: علم الله، وكلام الله، هل هو غير الله أم لا؟ لم يطلقوا النفي ولا الإثبات؛ فإنه إذا قيل: هو غيره أوهم أنه مباين له، وإذا قيل: ليس غيره أوهم أنه هو، بل يستفصل السائل، فإن أراد بقوله غيره أنه مباين له منفصل عنه فصفات الموصوف لا تكون مباينة له منفصلة عنه، وإن كان مخلوقا فكيف بصفات الخالق؟ وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو فليست الصفة هي الموصوف فهي غيره بهذا الاعتبار، واسم الرب إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما تستحقه من صفات الكمال، فيمتنع وجود الذات عرية عن صفات الكمال، فاسم (الله) U يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال، وهذه الصفات ليست زائدة على هذا المسمى بل هي داخلة في المسمى، ولكنها زائدة على الذات المجردة التي ثبتها نفاة الصفات فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة، قال هؤلاء: الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات، وأما في نفس الأمر فليس هناك ذات مجردة تكون الصفات زائدة عليها، بل الرب تعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال وصفاته داخلة في مسمى أسمائه I، انتهى.
وهذا تحقيق لا مزيد عليه فاحفظه فإنه مهم، وبالله التوفيق).
وصدق السفاريني عندما قال: "هذا تحقيق لا مزيد عليه فاحفظه فإنه مهم.

شبهة: صفات الله عين ذاته

هل صفات الله تعالى عين ذاته أو زائدة عن ذاته؟

_ معنى قولنا الصفات زائدة عين الذات:


 أي أننا نثبت لله سبحانه وتعالى ذاتا ونثبت له صفات زيادة على إثباتنا لذاته فصفات العلم والسمع والبصر والكلام والحياة والرحمة والحكمة والحب والرأفة هذه الصفات ليست هي نفس الذات، فالمعطلة كالجهمية المتقدمين والمتأخرين والمعتزلة أثبتوا ذات الله I مجردة من كل الصفات فقابلهم أهل السنة المثبتة للصفات فقالوا: إنا نثبت صفاتٍ زائدةً على الذات ولم يقولوا غير الذات كما نسب إليهم مسيلمة الكذاب فزيادة لفظ "زائد عن الذات" إنما نُطلقها في مقابل من أطلق الذات مجردة عن صفاتها أما من أطلقها يريد الذات الموجودة في الخارج بصفاتها اللازمة لها  فلا نقول في تلك الذات عندئذ: "هناك صفات زائدة عنها" لأن الموجودة في الخارج موجودة بصفاتها.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في شرحه لحديث النزول: (وإذا قال من قال من أهل الإثبات للصفات: أنا أثبت صفات الله زائدة على ذاته: فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات. فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات، فقال أهل الإثبات: نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء.
وأما الذات نفسها الموجودة فتلك لا يتصور أن تتحقق بلا صفة أصلا، بل هذا بمنزلة من قال: أثبت إنسانا، لا حيوانا، ولا ناطقا، ولا قائما بنفسه، ولا بغيره، ولا له قدرة، ولا حياة، ولا حركة، ولا سكون، أو نحو ذلك، أو قال: أثبت نخلة ليس لها ساق، ولا جذع، ولا ليف، ولا غير ذلك؛  فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج، ولا يعقل؛ ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله I وإن كانوا هم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين فيقولون: هو موجود قديم واجب، ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود، حق ليس بحق، خالق ليس بخالق، فينفون عنه النقيضين، إما تصريحا بنفيهما، وإما إمساكا عن الإخبار بواحد منهما).

_ معنى قولهم صفات الله عين ذاته.

مرادهم بهذا هو أن الله جل وعلا استغنى بذاته عن كل شيء، حيث اعتبروا إثبات الصفات لله جل وعلا هو من قبيل الحاجة إليها، وأن إثباتها معه إثبات لقديم أزلي، وهذا يؤدي إلى تعدد القدماء في زعمهم، وهذا من أصول مقالتهم في إنكار الصفات وتسمية إنكارهم للصفات "التوحيد". انظر: كلام عبد الجبار المعتزلي في بيان السبب لإنكارهم اتصاف الباري جل وعلا بهذه الصفات. شرح الأصول الخمسة ص 195-196.
 وهؤلاء القائلون بهذه العبارة على قسمين كلاهما في الضلال البعيد:

-        إثبات الصفة التي يدل عليها الإسم لكنها نفس ذات الله فيقولون إن الله عالم، فهنا ذات وصفة العلم إلا أن الصفة هي الذات أي علم الله هو الله وحياة الله هي هو وقدرة الله هي هو فيلزم من هذا الكفر أن من قال داعيا يا قدرة الله أنه دعا الله.
-        نفي الصفة تماما فيقولون إن الله عليم بذاته وسميع بذاته ولا علم له ولا سمع له ولم يصفوا الله تعالى إلا بما يسمونه (السلوب) أي سلب صفات النقص عنه فيقولون ليس بجاهل في مقابل نفيهم لصفة العلم زعما منهم أن إثبات هذه الصفات يستلزم تعدد القدماء فيكون عندنا أكثر من قديم لا أول له وهؤلاء هم المعتزلة ومن قلدهم كالرافضة فهم يقولون إذا أثبتنا لله تلك الصفات نقول كان الله وعلمه كان الله وسمعه فيكون عندنا أكثر من قديم.
 والجواب على جهلهم وضلالهم من وجوه:

أولا: إن الصفات زائدة عن الذات لا عن الله عز وجل حتى يُلزمنا هذا الإلزام "أي تعدد القدماء"أما لفظ الجلالة الله فإنه يُطلق على الذات والصفات معا ولا يُطلق على أحدهما دون الآخر فلا يُقال "الله"  ويراد به الذات فقط أوالصفات فقط، فإن تبين أنه لا يصح أن يقال كان الله وعلمه لأن لفظ الجلالة الله شمل العلم والذات وإنما يُقال كان الله بعلمه كان الله بسمعه  فلا يلزم تعدد القدماء، وما وقعوا فيه من هذا السخف إلا ببعدهم عن الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل:

(وقول القائل: الصفات زائدة على الذات ليس كقوله: صفات الله زائدة على الله، لأن مسمى اسم الله يدخل في صفاته، فإذا قال: "الله" دخل فيه صفاته، فإذا قال: هي غيره أوهم مباينةً لله لم تدخل في اسمه.
وأما لفظ الذات فقد يراد بها الذات التي يقدر أنها مجردة عن الصفات، والصفات زائدة على لفظ الذات).
ثانيا: أن تعدد الصفات القائمة بذات واحدة لا يلزم منها التعدد في الخارج فإنا نقول في زيد طويل وعريض وسميع وبصير ووسيم وعربي ورجل وكل هذه الصفات لا تُوجب تعدد الذوات فزيد هو واحد بصفاته والذي أوقع هؤلاء في هذا الضلال ظنهم أن صفات الله لها وجود خارجي فعندما نقول السمع فسمع الله ذات قائمة بنفسها عندهم وهكذا في جميع الصفات وهذا ما ظنه الأعجمي مسيلمة الكذاب،
 وأيضا نقول لهم ما قاله النووي ردا على المعطلة منهم:

 (فإن كَتَب ألفاً بألوان مختلفة متعددة، لا يشعر ذلك بتعدد الألفات، وإنما التعدد يقع باعتبار تلك الألوان مع المحل، والمتعدد بتعدد محله لايكون متعدداً في نفس الأمر، إذ لو كان متعدداً مع قطع النظرعن محله،  يلزم أن يكون الواحد أكثر من واحد، وذلك محال).

ولنختم بكلام للإمام السفاريني رحمه الله في كتابه "لوامع الأنوار البهية" وما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(اختلف النظار في صفات الباري عز وجل، هل هي عين ذاته تعالى، أو غير ذاته المقدسة، وبهذه الشبهة نفت المعتزلة الصفات عن الذات لأنهم قالوا: إما أن تكون الصفات حادثة، فيلزم قيام الحوادث بذاته، وخلوه تعالى في الأزل عن العلم والقدرة والإرادة والحياة، وغيرها من الكمالات، وصدورها عنه تعالى بالقصد والاختيار أو بشرائط حادثة، والجميع باطل بالاتفاق، وإما أن تكون قديمة فيلزم تعدد القدماء، وهو كفر بإجماع المسلمين، وقد كفر النصارى بثلاثة قدماء فكيف بالأكثر.
والجواب إنما المحظور في تعدد القدماء المغايرة، ونحن نمنع تغاير الذات مع الصفات، والصفات بعضها مع بعض؛ فينتفي التعدد والتكثر، ولئن سلم ما زعموا من تعدد القدماء فالممتنع تعدد القدماء إذا كانت ذواتا مستقلة لا تعدد ذات وصفات لها، فهذا مباين لقول النصارى، كما لا يخفى عن ذي بصيرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحم الله روحه - في شرح العقيدة الأصفهانية: واسم الغير فيه اصطلاحان
أحدهما: أن الغيرين ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر،
والثاني: أن الغيرين ما جاز العلم بأحدهما للآخر. وعُرفا أيضا بأنهما الموجودان اللذان يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر بوجود أو مكان أو زمان، فالغيرية كون الموجودين يتصور انفكاك أحدهما عن الآخر.
والعينية هي الاتحاد في المفهوم بلا تفاوت أصلا. فلا يكونان نقيضين بل يتصور بينهما واسطة بأن يكون الشيء بحيث لا يكون مفهومه مفهوم الآخر، ولا يوجد بدونه، كالجزء مع الكل، والصفة مع الذات العلية، وبعض صفاتها مع بعض.

قال شيخ الإسلام:
والأول -يعني أن حد الغيرين: ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر- اصطلاح المعتزلة والكرامية،
 والثاني: -وهو أن حد الغيرين: ما جاز مفارقة أحدهما للآخر كما تقدم- اصطلاح طوائف من الكلابية والأشعرية، ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة.
قال: وأما الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل t وغيره، فإن لفظ الغير عندهم يحتمل هذا وهذا، ولهذا كان السلف لا يطلقون القول بأن صفات الله تعالى غيره، ولا أنها ليست غيره، فلا يقولون كلام الله غير الله، ولا يقولون ليس غير الله، بل يستفسرون القائل عن مراده فقد يريد الأول وقد يريد الثاني، وهذه طريقة حذاق النظار، فإن أراد الاصطلاح الثاني فجزء الشيء اللازم وصفته اللازمة ليس بغير له، فلا يكون ثبوته موجبا لافتقاره إلى غيره، وإن تكلم بالأول فثبوت الغير بهذا التفسير، لا بد منه فإنه يمكن العلم بوجوده، والعلم بأنه خالق، والعلم بعلمه، والعلم بإرادته، وهم يفسرون عن ذلك بالعقل والعناية، وهذه المعاني أغيار على هذا الاصطلاح، وثبوتها لازم لواجب الوجود، وإذا كان ثبوت هذه الأغيار لازما له لم يجز القول بنفيها لأن نفيها يستلزم نفي واجب الوجود.
واعلم أن مثل هذا وإن سمي تركيبا فليس منافيا لوجوب الوجود فإذا قيل واجب الوجود لا يفتقر إلى غيره قيل لا يفتقر إلى غير يجوز مفارقته له أم إلى غير لازم لوجوده؟
 فالأول حق،
 وأما الثاني، إذا أريد بالافتقار أنه مستلزم له فممنوع.

وقال شيخ الإسلام أيضا - قدس الله سره - في كتابه: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) ما ملخصه: من الناس من يقول: كل صفة للرب U غير الأخرى، ويقول الغيران ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر.
ومنهم من يقول: ليست هي غير الأخرى ولا هي هي، لأن الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر أو ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود.
قال: والذي عليه سلف الأمة وأئمتها إذا قيل لهم: علم الله، وكلام الله، هل هو غير الله أم لا؟ لم يطلقوا النفي ولا الإثبات؛ فإنه إذا قيل: هو غيره أوهم أنه مباين له، وإذا قيل: ليس غيره أوهم أنه هو، بل يستفصل السائل، فإن أراد بقوله غيره أنه مباين له منفصل عنه فصفات الموصوف لا تكون مباينة له منفصلة عنه، وإن كان مخلوقا فكيف بصفات الخالق؟ وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو فليست الصفة هي الموصوف فهي غيره بهذا الاعتبار، واسم الرب إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما تستحقه من صفات الكمال، فيمتنع وجود الذات عرية عن صفات الكمال، فاسم (الله) U يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال، وهذه الصفات ليست زائدة على هذا المسمى بل هي داخلة في المسمى، ولكنها زائدة على الذات المجردة التي ثبتها نفاة الصفات فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة، قال هؤلاء: الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات، وأما في نفس الأمر فليس هناك ذات مجردة تكون الصفات زائدة عليها، بل الرب تعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال وصفاته داخلة في مسمى أسمائه I، انتهى.
وهذا تحقيق لا مزيد عليه فاحفظه فإنه مهم، وبالله التوفيق).
وصدق السفاريني عندما قال: "هذا تحقيق لا مزيد عليه فاحفظه فإنه مهم.

نشر في : ديسمبر 14, 2017 |  من طرف alkachif

عن صاحب المدونة

أبوبكر هشام المغربي مدرس العلوم الشرعية
في مدارس العتيق بالمغرب ومدرس حر في
غير المدارس، وباحث في العقائد المخالفة للسنة

عن المدونة

بسم الله الرحمن الرحيم:
مدونة كشف الشبهات غايتها رد شبهات المخالفين لعقيدة أهل السنة بردود سنية
مع بيان معتقد أهل السنة والجماعة

Blog Archive

back to top